اهلا بالحب؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

من طرف mero الأحد مارس 08, 2009 12:21 pm

من المعالم المميزة لحلول
الربيع في العالم كله: تفتح الزهر, واخضرار الشجر, والاحساس ببهجة الدنيا,
واستعداد القلب لآهات الهوى, واستعداد وزراء التخطيط لزيادة جديدة في النسل
غير
أن المعالم المميزة للربيع عندنا بالذات تختلف نوعا, إذ تكتسى الدنيا بلون
ذهبى شاعرى هو صفرة الخماسين, وينفض الطير عنه خمول البيات الشتوى, فتطير
أسراب الهاموش في كل اتجاه لتعلن مولد فصل الربيع المبارك, فما أن تحيط
أسرابه بالإنسان ساعة العصارى عائدة بعد الشتاء, حتى يشعر بدغدغة في
مشاعره, ويخفق منه القلب, ويستغرق في أحلام الحب وتنهيدات المساء
و لعل
ما يؤكد أن أغانينا غير واقعية, هو خلوها تماما من الاشارة إلى الهاموش,
فهى تكتفى بأن تشير إلى تفتح الزهر وتورق الغصن ولا تشير إلى إقبال
الهاموش, كما ندهش حقا لأغنية تقول آدى الربيع عاد من تانى ولا تقول آدى
الهاموش عاد من تانى, كذلك لم نسمع على لسان عاشق موالا يعبر فيه عن
مشاعره التى اتقدت مع مقدم الربيع بقوله: ابكى يا عين ع اللى فاتوه
احبابه.. فاتوه وحيد ماحد يطرق بابه.. وعاد حنينه و أنينه وقادت الاشواق..
لما عاد الهاموش تانى بأسرابه
*******
صديق العاشق
بل
إن دور الهاموش لا يقتصر على شعللة العواطف في قلوب المحبين عند مقدمه بعد
البيات الشتوى, فإن هذا الكائن الربيعى الرقيق الجميل الهاموش يعتبر صديقا
للعشاق, فربما لم يتح لك ارتياد حديقة عامة هادئة ساعة العصارى, إذ ستلمح
أكواما عالية أشبه بأكوام الردة هنا وهناك, و لو أنك مددت يدك إلى أحد هذه
الأكوام وأزلت جانبا من الردة لوجدتها هاموشا كثيفا يخفى تحته عاشقين
غارقين في القبلات, وكم هو لطيف من الهاموش أن يتراكم فوق العشاق في حديقة
عامة ستر وغطا ليخفيهم عن فضول العيون والعوازل ورقابة المصنفات الفنية
*******
ودور الشرير؟؟
غير
أن هذا الكائن الربيعى الرقيق الجميل الهاموش لم يسلم من الهجوم القاسى
كحظ كل شئ جميل في بلادنا, إذ شنت الصحف منذ سنوات حملة على محافظة
القاهرة الكبرة تطالب فيها أجهزة النظافة بإزالة هذا البلاء الكثيف من جو
القاهرة والجيزة, ثم اشتدت الحملة عندما فوجئ الناس ذات يوم بأن درجة
الرؤية في ميدان التحرير أصبحت صفرا بسبب كثافة الهاموش, وظهرت أجسام
الناس أشبه بالسمك المشوى بالردة قبل دخوله النار
و استغل أحد المخرجين
الأذكياء تلك الضجة الكبرى, فجاء يطلب منى أن أكتب قصة سينمائية اسمها
الهاموش, ليخرجها على غرار فيلم الطيور لهتشكوك, فكما هاجمت الطيور قرية
في الفيلم الهتشكوكى, يهاجم الهاموش سكان القاهرة, ومع أن الحدوتة في
دماغه جاهزة قال المخرج إلا أنها ينقصها الفيلين أو شرير الفيلم, ذلك أن
الفيلم العربى عادة كحدوتة ستى تماما يقوم على ثلاثة أركان: الشاطر حسن
البطل, وست الحسن البطلة, أما الشرير فهو أمنا الغولة.. ولا بد من دور
لأمنا الغولة.. واقترحت على المخرج أن يكون الشرير هو صاحب فكرة إطلاق
الهاموش على القاهرة, فهو مجرم خطير هارب من العدالة والشرطة تتعقبه, لكنه
في ظل الهاموش يمشى آمنا في الشوارع مادام الهاموش يغطيه كله طوال سيره ثم
يتبين في نهاية الفيلم أنه يربى الهاموش خصيصا لهذا الغرض, وأن عنده غية
هاموش في مغاراته بالجبل, وأنه يعتز بهاموشتين اعتزازا خاصا هاموشة اسمها
بوسى حاطط لها فيونكة حمرا في رقبتها, وهاموش ذكر اسمه لاكى
*******
نار الشوق
ثم
جاءنى المخرج يقول أن الموزع غير راضٍ عن أن يكون اسم الفيلم الهاموش فهو
اسم لا يصلح للشباك ولا بد من اسم فيه إثارة.. وبعد استعراض أسماء هاموش
على الجسم الوردى و سيقانها والهاموش وغيرهما, استقر الرأى على اسم جسد
وحب ودلع وهاموش
ثم تحولت القصة إلى قصة جديدة أخرى.. فالبطل والبطلة
تزوجا بعد قصة حب نارية, وما أن يمضى شهر العسل حتى تدب بينهما الخلافات
بسبب الملل.. وفي كل خناقة تغضب البطلة وتلم هدومها وتروح على بيت أمها,
وفي آخر مرة, بعد أن ظلت في بيت أمها أسبوعين, يشعر نحوها البطل بالشوق,
لكنه يفاجأ وهو في طريقه إلى بيت أمها بأسراب الهاموش تحيل الدنيا إلى
ضباب هاموشى تتعذر معه الرؤية, ويعود البطل مع البطلة إلى بيتهما بصعوبة,
ولكنه لا يستطيع بعد ذلك أن يرى وجهها بسبب الهاموش الكثيف وكذلك هى, ومع
الأيام يكاد يجن شوقا إلى رؤياها بينما هى يمزقها حنين جارف إلى رؤياه..
ويظلان على هذه الحال شهورا طويلة تمتنع خلالها الخلافات بينهما تماما,
وهنا ندرك المغزى العظيم وهو أن الزواج لا تفسده إلا الرؤية اليومية
لبعضهما البعض, فهى لا تتيح فرصة للشوق والحنين.. وينهار البطل من لهفته
واشتياقه إلى رؤيتها وهما في بيت واحد, وتنتاب البطلة حالات هستيرية من
شدة شوقها إلى رؤياه.. ويضرب رأسه في الحائط باكيا: عايز أشوفك عايز
أشوفك.. وتغنى له هى أغنية دامعة ماليش أمل في الدنيا دى غير إنى أشوفك
بعنيه, كما حدد المخرج موقفا آخر تغنى له فيه: فرق مابينا ليه الهاموش
وينتهى
الفيلم نهاية سعيدة إذ يقرر البطل والبطلة السفر إلى أثينا لرؤية بعضهما
البعض, ولا شك أن التصوير في أثينا قال المخرج يعطى الفيلم صفة العالمية
*******
من أنا؟
و
لم نتفق بعد ذلك على تفاصيل هذه القصة العالمية المؤثرة, إذ حدث أمام
الحملة الصحفية على المحافظة أن أدلى مسئول بالمحافظة ووالله هذا حصل فعلا
ببيان قال فيه أن مقاومة الهاموش ليس من اختصاص المحافظة ولكنها من اختصاص
وزارة الزراعة لأن الهاموش من الحشرات الزراعية التى تتجه إلى المزروعات
لا إلى بنى آدم
يومها جاءنى المخرج يسألنى بناء على هذا البيان أى أنواع المزروعات بالضبط ينتمى الإنسان القاهرى؟ هل أصله بدنجانة؟ هل أصله ملوخية؟
و نصحته أن يتصل بمسئول المحافظة الذى قال هذا الكلام فأدار قرص التليفون وراح يسأله
المخرج: بمناسبة بيانكم عن الهاموش.. هل يمكن الاستفسار عن بعض النقاط الغامضة؟
المسؤول: مثل؟
المخرج: هل الإنسان القاهرى أصله كوسة؟
المسؤول: كل شئ جايز.. اسأل وزارة الزراعة
المخرج: ممكن يكون أصله قطن؟
المسؤول: كل شئ جايز
المخرج: إذا كان أصلنا قطن.. هل تقترح أن نطالب وزارة الزراعة برشنا بالتوكسافين؟
المسؤول: كل شئ جايز
المخرج: هل يفهم من بينكم أن الهاموش يفقس ويتوالد على لحم البنى آدم القاهرى دون أن يشعر أن ملايين الهاموش قد فقس فوق جلده؟
المسؤول: كل شئ جايز
المخرج: هل تقترح سيادتك في هذه الحالة أن يجمع كل إنسان قاهرى عددا من الأنفار علشان ينقوا لطع الهاموش من على جلده؟
المسؤول: كل شئ جايز
*******
واختمرت القصة في ذهن المخرج قصة رائعة حقا بعد هذا الحوار
قصة
شاب يعيش سعيدا بين أسرته ويتأهب للزواج من البطلة الجميلة.. وذات يوم
يسمع بيان المحافظة بأن الهاموش من الحشرات الزراعية التى تتجه إلى
المزروعات لا الانسان, فيدرك من تراكم الهاموش عليه أنه قطعا من
المزروعات.. هنا يواجه والده ويقول له في موقف مأساوى قائلا: أنا مش
ابنك.. أنا عرفت كل حاجة أنا عرفت كل حاجة.. أنا أبويا زرعاية وأمى زرعاية
ثم يرتمى في أحضان أمه مودعا.. شاكرا لها تربيتها له ويخرج من البيت هائما
على وجهه يبحث عن أسرته الحقيقية, متسائلا إن كان أصله فول حراتى أم عدس
أسود أم ارنبيط, وتحرص البطلة على الوقوف إلى جانبه في محنة البحث عن أصله
وفصله
وذات ليلة يفر البطل من جانبها وسط الحقول ويشعر أن قدميه
تجتذبانه رغما عنه إلى غيط الخرشوف.. لا بد أن أصله خرشوفة.. ويقترب من
أكبر خرشوفة يسألها: ماما؟؟
لكن البطلة تلحق به وتجتذبه برفق, وتجلس
معه على شاطئ الترعة, ثم تغيب معه في قبلة طويلة, ثم بعد القبلة تحرك
شفتيها وكأنها تستطعم شيئا, ثم تنفرج أساريرها لتعلن أنها قد عرفت أصله
وفصله بعد هذه القبلة, ويسألها في لهفة: لقيتى طعمى إيه؟ بامية؟ قلقاس؟
فترد لتزف إليه البشرى: لا.. بصل
هنا ينتهى الفيلم والبطل يحضن بصلة في سعادة ناطقا بالعبارة الأخيرة في معظم الأفلام: أمى حبيبتى.. أمى حبيبتى
و
لم يظهر الفيلم, وبقى الهاموش عاما بعد عام, يخرج له كل يوم موكب عظيم فخم
من رجال المحافظة, يتجهون إلى سرادق مقام بأعلى المقطم, يعلنون فيه مع
رؤية أول هاموشة في الأفق ثبوت رؤية الربيع
*******

- أحمــد رجــب